{ذلك} الفضلُ الكبيرُ هو {الذى يُبَشّرُ الله عِبَادَهُ} أي يبشرُهم به، فحذفَ الجارُّ ثمَّ العائدَ إلى الموصول كما في قوله تعالى: {أهذا الذى بَعَثَ الله رَسُولاً} أو ذلكَ التبشيرُ الذي يبشرُه الله تعالَى عبادَهُ {الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}. وقرئ: {يُبْشِرُ} منْ أبشرَ.{قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} رُويَ أنَّه اجتمعَ المشركونَ في مجمعٍ لهم فقالَ بعضُهم لبعضٍ: أترونَ أنَّ محمداً يسألُ على ما يتعاطاهُ أجراً فنزلتْ. أيْ لا أطلبُ منكُم على ما أنا عليهِ من التبليغ والبشارة {أَجْراً} نفعاً {إِلاَّ المودة فِى القربى} أيْ إلا أن تودُّون لقرابتي منكم أو تودُّوا أهل قرابتي، وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لا أسألُكم أجراً قَطُّ ولكنْ أسألُكم الموَّدةَ. وفي القُربي حالٌ منَها أيْ إلا المودَّةَ ثابتةً في القُربى متمكنةً في أهلِها أو في حقَ القرابةِ. والقُرْبى مصدرٌ كالزُّلْفى بمَعْنى القَرَابةِ. رُويَ أنَّها لما نزلتْ قيلَ: يا رسولَ الله مَنْ قرابتُكَ هؤلاءِ الذينَ وجبتْ علينا مودَّتُهم؟ قالَ عليٌّ وفاطمةُ وابناهُمَا. وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمتْ الجنةُ على مَنْ ظلمَ أهلَ بيتِي وآذانِي في عِتْرتِي، ومن اصطنعَ صنيعةَّ إلى أحدٍ من ولدِ عبدِ المطلبِ ولمْ يجازِهْ فأَنَا أجازيهِ عليها غذاً إذا لَقِيَنِي يومَ القيامةِ». وقيلَ: القُرْبَى التقربُ إلى الله أيْ إلاَّ أن تودُّوا الله ورسولَهُ في تقربكم إليهِ بالطاعةِ والعملِ الصالحِ. وقرئ: {إلا مودَّةً في القُربَى}. {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} أي يكتسبْ أيَّ حسنةٍ كانتْ فتتناولُ مودَّةَ ذِي القُرْبى تناولاً أولياً. وعن السُدِّيِّ: أنَّها المرادةُ، وقيلَ: نزلتْ في الصدِّيقِ رضيَ الله عنه ومودَّتهُ فيهم. {نَّزِدْ لَهُ فِيهَا} أيْ في الحسنة {حَسَنًا} بمضاعفةِ الثوابِ. وقرئ: {يَزِدْ} أيْ يزدِ الله وقرئ: {حُسْنَى}. {أَنَّ الله غَفُورٌ} لمن أذنبَ. {شَكُورٍ} لمن أطاعَ بتوفيقِه للثوابِ والتفضلِ عليهِ بالزيادةِ.{أَمْ يَقُولُونَ} بلْ أيقولونَ {افترى} محمدٌ {عَلَى الله كَذِبًا} بدعوى النبوةِ وتلاوةِ القُرآنِ، على أنَّ الهمزةَ للإنكار التوبيخيِّ كأنَّه قيلَ: أيتمالكونَ أنْ ينسُبُوا مثلَه عليهِ السَّلامُ. وهُوَ هُوَ. إلى الافتراء لا سيَّما الافتراءُ على الله الذي هُو أعظمُ الفِرَى وأفحشُها. وقولُه تعالَى {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} استشهادٌ على بُطلان ما قالُوا ببيان أنَّه عليه السَّلامُ لو افتَرى على الله تعالَى لمنعَهُ من ذلك قطعاً، وتحقيقُه أنَّ دعوى كونِ القرآنِ افتراءً عليه تعالَى قولٌ منهم بأنَّه تعالَى لا يشاءُ صدورَهُ عن النبِّي صلى الله عليه وسلم بلْ يشاءُ عدمَ صدورِه عْنهُ ومن ضرورتِه منعُه عنْهُ قطعاً، فكأنَّه قيلَ: لو كانَ افتراءً عليه تعالَى لشاءَ عدمَ صدورِه عنكَ وإنْ يشأْ ذلكَ يختُم على قلبكَ بحيثُ لم يخطُرْ ببالك معنىً منْ معانيه ولم تنطقْ بحرفٍ من حروفِه وحيثُ لم يكُنِ الأمرُ كذلكَ بلْ تواترَ الوحي حيناً فحيناً تبين أنَّه من عندِ الله تعالَى.هَذا وقيلَ: المَعْنى إنْ يشأْ يجعلْكَ من المختوم على قلوبهم فإنَّه لا بجترىءُ على الافتراءِ عليه تعالى إلا مَنْ كانَ كذلكَ ومؤدَّاهُ استبعاد الافتراءِ منْ مثله عليه السَّلامُ وأنَّه في البُعد مثلُ الشرك بالله والدخولِ في جملةِ المختومِ على قلوبِهم. وعن قَتَادةَ يختمْ على قلبِكَ يُنْسكَ القُرآنَ ويقطعْ عنكَ الوَحيَ. يعني لوا افترَى على الله الكذبَ لفعل به ذلك، وهذا مَعْنى ما قيلَ: لو كذب على الله لأنساهُ القرآنَ، وقيلَ: يختمْ على قلبِكَ يربطْ عليهِ بالصبرِ حتَّى لا يشقَّ عليك أذاهُم.{وَيَمْحُ الله الباطل وَيُحِقُّ الحق بكلماته} استئنافٌ مقررٌ لنفي الافتراء غيرُ معطوفٍ عَلَى يختمُ كما ينبىءُ عنه إظهارُ الاسمِ الجليلِ، وسقوطُ الواوِ كما في بعض المصاحفِ لاتّباعِ اللفظِ كما في قولِه تعالى: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر} أيُ ومن عادته أنَّه تعالَى يمحُو الباطلَ ويثبتُ الحقَّ بوحيهِ أو بقضائِه كقول تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ} فلو كان افتراءً كما زعمُوا لمحقَةُ ودمغَهُ. أو عِدةٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم بأنَّه تعالَى يمحُو الباطلَ الذي هم عليهِ من البَهتِ والتكذيبِ ويثبتُ الحق الذي هو عليهِ بالقرآنِ أو بقضائِه الذي لا مردَّ له بنصرته عليهم. {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} فيُجرِي عليها أحكامَها اللائقةَ من المحوِ والإثباتِ.